Reklama

samedi 9 juin 2012

0
Raja Ben Slama كلمة "الثوابت" : كلمة لتقييد الحرية والمساواة

هذا ما كتبته في مقدّمة كتاب "نقد الثّوابت" الصّادر في دار الطّليعة سنة 2005 :


لكلّ المجتمعات الدّيمقراطيّة ثوابت ينبني عليها العقد الاجتماعيّ، منها احترام القوانين واعتبارها تعلو ولا يعلى عليها، واحترام مبدإ الانفصال بين السّلط واحترام مبادئ المساواة والحرّيّة. وهذه الثّوابت لا يتحدّث عنها كثيرا في هذه المجتمعات، لا لأنّها مفروغ منها فحسب، بل لأنّها ليست من الثّوابت الجامدة، فهي لا تحول دون تطوّر المجتمعات وتحرّر الأفراد، ولا تحول دون تطوير الدّيمقراطيّة نفسها لجعلها تشاركيّة ولتعميقها، ولا تحول دون تطوير مبدإ المساواة نفسه لجعله أكثر فاعليّة ولجعله مجسّدا في الشّراكة و"التّمييز الإيجابيّ" الذي تستفيد منه فئات تمّ تهميشها لأسباب متجذّرة في التّاريخ وفي الأبنية الثّقافيّة الموروثة. بل إنّنا نحتار إذا أردنا ترجمة كلمة "الثّوابت" إلى اللّغات الأخرى، لأنّ مقابلاتها في الفرنسيّة والإنكليزيّة مثلا ليست جزءا من اللّغة السّياسيّة المتداولة.
أمّا المجتمعات العربيّة، أمّا نخبها المهتمّة بالشّأن العامّ، فهي التي تلهج بالثّوابت لهجها بـ"الهويّة"، وهي التي تلجأ إلى هذه العبارات وتجعلها حجر عثرة أمام كلّ رغبة في التّغيير والإصلاح الحقيقيّ. إنّها تجمّد وتشيّء ما لا تجمّده وتشيّئه المجتمعات الأخرى. تشيّء الثّوابت كما تشيّء الهويّة وتجعلها بمثابة الكنز الآتي من الماضي والذي تتعيّن حراسته. ويمكن أن نضيف إلى هذا الجدول، جدول الثّوابت، عبارة "المخزون الثّقافيّ" المستعملة في ربوعنا. فأنا أذكر أنّني التقيت بموظّف سام قال لي إنّه احتجّ لاحتفال مدرسة أبنائه بعيد الحبّ، وعندما سألته عن سبب احتجاجه، قال لي إنّ هذا العيد يتنافى مع "مخزوننا الثّقافيّ"، وعندما سألته عمّا يقصده من هذه العبارة، تلجلج وكرّر العبارة نفسها، وكأنّه يحتجّ على سؤالي عمّا لا يسأل عنه. وتكراره للعبارة دليل على عمليّة التّشييء المذكورة : فـ"المخزون الثّقافيّ" لم تعد دالاّ يحيل إلى مدلول، بل أصبحت شيئا قائم الذّات، قابلا لأن يعبد كما تعبد الأشياء المقدسة. والأشياء المقدّسة لا يسأل عنها بل تقدّم لها القرابين وكباش الفداء، وتقام الحروب المقدّسة من أجلها.
ومع ذلك فإنّ الثّوابت في العالم العربيّ، وسائر التّعابير المعبودة التي تؤكّدها تبقى مبهمات، كـ"المعلوم من الدّين بالضّروة"، كلّ يعرّفها كما يريد ويوظّفها في السّياق الذي يريد. لكنّ الثّابت في "الثّوابت" العربيّة والإسلاميّة هي الوظيفة الأساسيّة التي تضطلع بها : إنّها تسمية اللاّحرّيّة واللاّمساواة بأسماء بديهيّة لا تحتاج إلى النّقاش، أو تعرّض من يناقشها إلى تهمة الخيانة أو الكفر والمروق. الثّوابت في الغرب الدّيمقراطيّ هي المساواة والحرّيّة، أمّا الثّوابت عندنا فهي ما يبرّر اللاّمساواة واللاّحرّيّة، بل وما يبرّر الإرهاب والعنف.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Dr Raja Ben Slama Blog | © 2010 by DheTemplate.com | Supported by Promotions And Coupons Shopping & WordPress Theme 2 Blog | Tested by Blogger Templates | Best Credit Cards