Reklama

vendredi 15 juin 2012

0
عبوديّاتنا المختارة...05.10.2007..

من الأطياف المرفرفة التي ستظلّ تحوم بنا طيف لابواسّي La Boétie، ذلك الفتى الفرنسيّ الذي كتب سنة 1548، وهو لم يبلغ سنّ العشرين، مقالة في "العبوديّة المختارة". فضْلُ لابواسّي هو أنّه نبّه النّاس في زمانه، وينبّهنا اليوم إلى ما نميل إلى الغفلة عنه، وهو أنّ للضّحيّة الباكية أو المتباكية قسطا من المسؤوليّة في نظم الاستبداد وفي الكثير من سيناريوهات العنف المتكرّر. نبّهنا إلى ذلك بلغة بسيطة فريدة، فيها الكثير من حميّة الشّباب وتوهّج الفكر، وفيها شيء من الغضب، عندما يكون الغضب طاقة مولّدة للتّفكير، لا مجرّد "هوى" من الأهواء التي تحول دون التّفكير.
أدهش كتيّب لابواسي النّاس وشدّهم على مرّ العصور، لأنّه يتجاوز السيّاق التّاريخيّ الذي أراد بعضهم اختزاله فيه، وهو سياق احتجاج البرجوازيّة النّاشئة على إكراهات النّظام الإقطاعيّ الأوروبّيّ، ففي كلّ نصّ نابع من شوق تترجمه الكتابة، يوجد بالضّرورة بعد يتجاوز مقتضيات التّاريخ والسّياق، كثيرا ما تضيّعه المقاربات المستلهمة من الماركسيّة. وربّما تمثّل فكرة العبوديّة المختارة اليوم أداة مهمّة لتحليل دوائر الاستبداد وأشكاله المختلفة، أو ربّما تمثّل منفذا لإدخال نفحة من الهواء الجديد على طرحنا لإشكاليّات السّلطة والهيمنة لا في المستوى السّياسيّ فحسب، بل في مستويات أخرى.
ولقد أصاب لابواسّي المقتل عندما قلب النّظرة السّائدة للهيمنة، مبيّنا أنّ العبد هو الذي يبني في خياله السّيّد ويسلم إليه مقاليد نفسه في واقعه، وليس السّيّد الذي يتغلّب على مصارعه فيحوّله إلى عبد كما في الجدليّة الهيجليّة الشّهيرة. يقول لابواسي حسب التّرجمة العربيّة البديعة التي خصّه بها مصطفى صفوان (صدرت سنة 2005) : "من أين له (الطّاغية) العيون التي يتبصّص بها عليكم إن لم تقرضوه إياها؟ وكيف له بالأكف التي بها يصفعكم إن لم يستمدّها منكم؟ ومن أين له بالأقدام التي يدوسكم بها إن لم تكن من أقدامكم؟ كيف يقوى عليكم إن لم يقو بكم؟ كيف يجرؤ على مهاجمتكم لولا تواطؤكم معه؟".
ولكن لا حدّ لإمكانيّات التّأويل والتّصريف التي يفتحها حدس لابواسّي هذا في تفسير إماتة الشّوق إلى الحرّيّة والاستكانة إلى الآخر. فما العبوديّة المختارة سوى السّادومازوشيّة الممارسة على نطاق اجتماعيّ وسياسيّ في عصرنا هذا الذي يعدّ عصر إنسان الجموع سليب الإرادة، وفي السّياق العربيّ الرّاهن الذي لا يعيش فيه العربيّ عبوديّة البضاعة والصّورة والاستهلاك المعولم فحسب، بل يعيش عبوديّات أخرى : عبوديّة تخضعه إلى أنظمة تحتكر السّلطة والثّروة ولا يبتعد زعماؤها كثيرا عن صور الطّغاة كما رسمها لابواسّي منذ حوالي أربعة قرون ونصف، وعبوديّة تخضعه إلى رجال الدّين في دين ليس فيه كنيسة ولا بابّا، ولكن كلّ جماعة فيه وكلّ فرد يمكن أن ينتصب كنيسة وبابّا.
يمكن أن يفيدنا لابواسّي في تعرية لعبة عبادة "الواحد" الذي "يكفي النّطق باسمه لإيقاع الفتنة والسّحر" كما يقول، الواحد الذي نجعله فوق القانون وفوق كلّ شيء، والذي لا نكتفي بعبادته، بل نعيد إنجابه، أو نؤبّد النّظام الذي يعيد إنجابه. فالسّؤال الذي يمكن أن نطرحه على أنفسنا ليس فحسب : لماذا نواصل إحلال من نولّيهم أمورنا محلّ الآلهة التي تحاسبنا وتعاقبنا دون أن نحاسبها ونعاقبها، بل : لماذا ينهل الكثير من معارضي عبادة الأشخاص من المعين الاستبداديّ والجموعيّ نفسه، فيخلقون في دوائرهم الخاصّة زعماء آخرين يستولون على سدّة الحكم في الدّائرة الضّيّقة، بحيث تفقد مطالبتهم بالدّيمقراطيّة كلّ مصداقيّة، وتفقد تنظيماتهم كلّ طابع مؤّسّسيّ مدنيّ؟ لماذا تتحوّل كلّ تجارب الحرّيّة الجميلة إلى بوتيكاتات لقضاء المصالح وبناء التّحالفات وإنتاج "الواحد" المتألّق في صيغة مفردة أو متعدّدة، المتألّق بمجرّد النّطق باسمه أو عرض صورته؟ 

 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=111222

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Dr Raja Ben Slama Blog | © 2010 by DheTemplate.com | Supported by Promotions And Coupons Shopping & WordPress Theme 2 Blog | Tested by Blogger Templates | Best Credit Cards