Reklama

mardi 19 juin 2012

0
د. رجاء بن سلامة: نعمل على أن يقطع حزب النّهضة صلته بالأدبيّات الإخوانيّة


كتب: بيروت – محمد الحجيري
Aljarida

تمتاز الدكتورة والباحثة التونسية رجاء بن سلامة بموقفها الجذري من الحركات المتأسلمة، وتدأب على صفحتها على الـ{فيسبوك» وفي كتبها وفي موقع «أوان» على التعبير عن مواقفها الجريئة والرصينة والمغايرة عن السائد، وتواجه الأحزاب الشمولية من خلال مواقفها الباحثة عن مستقبل مدني أفضل. معها هذا الحوار عن مرحلة ما بعد الثورة في تونس. 
كمثقفة لديك رأيك الجذري في النظرة إلى الواقع العربي والإسلامي والتونسي وتصرين على الدعوة إلى التغيير، هل شعرت بإرباك أمام التظاهرات الشعبية التي بدت كأنها خارج إطار المنحى الثقافي؟

لم أكن أعتقد أنّها ثورة إلا بعدما سقط النّظام، فأصبحت أنظر إلى التّظاهرات الشّعبيّة بعين أخرى، أرى فيها الكثير من الشاعريّة والذكاء. إنّه الشّعب الذي لا يظهر إلا في لحظات نادرة خاطفة. أمّا الجموع التي خرجت بعد ذلك لتطالب بالهوية وبالحد من الحريات، فشأنها آخر. إنها أحد وجوه الثورة المضادّة. الثورة لحظة انفتاح نادر، والمطالبة بالهوية لحظة انغلاق عادي، هو جزء من قلق العرب الحضاري في الأزمنة الحديثة.
ثمة من قال إن «الفئة المثقّفة» معزولة عن الواقع، بمعنى أنّها غير فاعلة في النسيج الاجتماعي العربي، ما رأيك في ذلك؟
ربما كانت معزولة لأنها محرومة من الفعل السياسي والمدني الحر ومحرومة حتى من وسائل الإعلام. المسألة معقّدة. ثمة من ناحية كسل ذهني يجعل هذه النخب معزولة، لأنها ربما، خلافا للدعاة الدينيين مثلاً، لا تحاول العمل على خطابها لتبسيطه وإيصاله بأساليب سهلة.
ومن ناحية أخرى، لولا وجود نوع من النخب الملتزمة بحقوق الإنسان، لما انتشرت أفكار الحرية والكرامة في بلدان الربيع العربي، وفي تونس خصوصاً. والشّباب الغاضب لم ينتظر الإذن من أحد.
كثيراً ما ترافقت الثورات العالمية مع مقدمات ثقافية أو فلسفية أو نظرية، الثورة الفرنسية كان لها منظروها وكتابها وكتبها واقترنت أفكارها بـ{عصر التنوير»، والأمر نفسه في «الثورة الشيوعية» الروسية التي استندت إلى نظريات ماركس وكتابات لينين، وحتى سقوط الاتحاد السوفياتي سبقته نظرية ميخائيل غورباتشوف… اليوم ثمة شعور بأن هذه التحركات والاحتجاجات في العالم العربي هي من دون كتب أو عفوية، وهناك تفسير سطحي بأن مصدرها الـ{فايسبوك» و{اليوتيوب}، وشرارتها صفعة الشرطية التونسية لبائع الخضار، ومن بعدها مقتل خالد سعيد في السجن المصري على يد قوى الأمن، ثم تعذيب أطفال درعا في سورية… أنت كيف تنظرين إلى الثورات من منظور ثقافي ونفسي؟

يجب أن لا نخلط بين البنيوي والحدثي. للثورات العربية أسباب بنيوية يجب البحث فيها، وثمة أحداث عارضة، مثل حرق البوعزيزي نفسه، تحولت إلى أحداث كبرى وإلى رموز، ولم تكن لتتحوّل إلى رموز لولا العوامل البنيوية التي منها العوامل الثقافية. المناضل النقابي والشهيد فرحات حشاد كان يردد منذ الأربعينيات شعار «الخبز مع الكرامة». «الشعب يريد» هو ترديد لبيت أبي القاسم الشابي «إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر»… تحرر المرأة وخروجها إلى جانب الرجال أثناء الثّورة نتاج لأفكار المصلح الاجتماعي الطاهر الحداد، ولما فعله الزعيم الحبيب بورقيبة من أجلها منذ 1956، تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية. في سنة 2009 رفع شعار «الشّعب يريد التّداول على السلطة» إبّان الحملة الانتخابية لمرشّح حزب التجديد. هذا الشعار قريب جداً من «الشعب يريد إسقاط النظام».
إذاً هذا الحراك ليس مقطوعاً من التاريخ الاجتماعي والثّقافي، وإن أوهمنا طابع المفاجأة للثورة التونسيّة بهذا. أجيال متعاقبة من المفكرين والمثقفين والناشطين الحقوقيين والمعارضين السياسيين مهدت لهذه الثورات، فلا يصح أن نعتبرها آتية من عدم.
ثمة أمر شديد الحساسية، يدور حول حرق محمد بوعزيزي نفسه في تونس!! كثر قالوا إن السبب يعود إلى تلقيه صفعة من «شرطية» بمعنى أنه الرجل الذي أهين من امرأة أو أنثى وأحرق نفسه احتجاجاً… كيف تفسرين هذا الأمر من منظور نفسي وبعيداً من الكتابات العاطفية والمعنوية التي نشرت حول مفجّر شرارة الاحجاجات؟
يجب أن نميز بين الشخص التاريخي المتعين والرمز. الشخص في حدّ ذاته لا يهمّ. المهم والمؤثر هو ما ارتسم من صورته عند الناس.
الشخص في حدّ ذاته قد يكون تصرف في لحظة كآبة قصوى مؤدّية إلى الانتحار. لكنّ الجماهير الغاضبة حوّلته إلى بطل ورمز، لأنها كانت تحتاج إلى رمز، في غياب الزعامات السياسيّة. البوعزيزي كان رمز الثورة الظاهر. ولكن كان هناك بطل خفيّ لها، هو رئيس أركان الجيش الوطني الجنرال رشيد عمّار. فلولا رفض الجيش الوطني إطلاق النار على المتظاهرين، وما حصل بعد ذلك في الكواليس، لما غادر بن علي قرطاج، ربّما. الملابسات ما زالت غامضة، في انتظار كتابة التاريخ. لكن دور الجيش الوطني كان حاسماً.
تتوجسين دائماً من «الإسلام السياسي» و{التشريع الصنمي»، هل لديك مخاوف من سيطرة الإسلاميين في تونس ومصر؟
الوضع في تونس مختلف عن مصر، لأن القوى الديمقراطية في مصر تواجه المجلس العسكري من ناحية والإسلاميين من ناحية أخرى، ثم نسبة الإسلاميين السلفيين الرافضين لكثير من المبادئ الديمقراطية أعلى في مصر.
المجتمع المدني في تونس، والاتحاد العام التونسيّ للشغل يمثلان ركيزة أساسية في مقاومة كل مظهر من مظاهر الهيمنة اللاديمقراطية، وكل محاولة لضرب أسس الدولة المدنية. توطئة الدستور التي تمّ تحريرها أخيراً هي محاولة توفيق بين النزعات كافة الموجودة داخل المجلس التأسيسي. لكنها تنص على مدنية الدولة وعلى الفصل بين السلطة والمساواة بين المواطنين والمواطنات.
حزب النهضة حذر، وقد تنازل عن مطلب قسم من أنصاره بخصوص اعتبار الشريعة أحد مصادر التشريع. تنازل لسببين هما الضغط المدني وخلوّ برنامجه الانتخابي من هذا المطلب.
إنّها معركة يوميّة لأجل حياد أجهزة الدولة، وفصل الحزب الحاكم عنها، والحفاظ على الحريات الخاصة والعامة. وهذه المعركة ممكنة بفضل الحريات السياسية التي حققتها الثورة، وأساسها حرية التعبير والتظاهر والتنظم. في النهاية، ستحصل توليفة ما أرجو أن تتحقق معها مطالب الديمقراطيّة والعدالة في التنمية. ثمة مخاطر اقتصادية جمّة، لكنني أفضل حالة المخاض والانفتاح وإن كانت خطيرة على وضعية الركود والاختناق التي كنّا نعيشها مع نظام بن علي.
هل يمكن أن تنتهي الثورات التي رحب بها العالم الى «خمينية جديدة» في العالم العربي؟
ثمة فارق كبير بين ما حصل في إيران وما حصل في تونس ومصر. في إيران، ساهم الخميني وجماعته في الثورة، وكانت لهم هذه الشرعيّة. في تونس ومصر، لم يساهم الإسلاميون في الثورة، بل جاؤوا بعدها ونجحوا في الانتخابات نسبيًّا. إذاً لهم شرعية انتخابية لا ثوريّة، خلافاً للخميني. أضف إلى ذلك أن سياق سنة 1978 غير سياق الألفية الثالثة. لسنا أفضل من الإيرانيين، لكننا أكثر حذراً منهم، لأننا رأينا ما تعرّضوا إليه من توظيف تيوقراطي لثورتهم. وأرجو أن نستفيد من كل دروس التاريخ الحديث.
في رأيك هل يمكن قيام دولة مدنية في ظل الإسلام السياسي، ألم تكن العلمانية على الطريقة العربية (البعثية في سورية، والدستورية في تونس) سبباً في تنامي الأصوليات أو العودة إلى الإسلام السياسي، بمعنى أن التطرف يولد التطرف؟
الحزب الذي لا يطرح شعار «الإسلام هو الحل» ويقول عن نفسه إنه حزب غير ديني بل مدني لا شك في أنه يمثل حلقة جديدة من مسلسل الإسلام السياسيّ الذي يلغي نفسه بنفسه عندما يخضع إلى منطق الدولة والسياسة. هذا شأن حزب النهضة في تونس، وهذا سبب لكثير من مظاهر الارتباك والتناقض في هذا الحزب، خصوصاً في ما تعلق بملف السلفيين وكيفية التعاطي معهم. نحن نعمل على أن يقطع حزب النهضة صلته بالأدبيات الإخوانيّة، ونحاور قياديّيه يوميًّا حتى يزهد نهائيًّا في كل ما يتناقض مع مسار التحوّل الديمقراطي.
هل ثمة احتمال لتفكك «إنسان الجموع» بعد الثورات؟
الثّورات، خصوصاً في تونس فتحت مساراً وحركيّة. كل حركية معقدة فيها الشيء ونقيضه، وفيها العثرات والنكسات، لكنني أظلّ متفائلة. في تونس، حققت الثورة إلى حد الآن مكاسب سياسية، منها حرية التّعبير، وهذا ليس بالشيء الهيّن، لأنه يسمح بالحوار وبالمقاومة السلميّة.
تعرضت لتهديد مباشر أنت والمفكر العفيف الأخضر من راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس، هل هذا التهديد ما زال قائماً وهل الدولة التونسية بعد سقوط بن زين العابدين علي قادرة على حمايتك، خصوصاً أن الغنوشي عاد إلى تونس؟!
رغم معارضتي لنقاط المحافظة بل والرجعيّة أحياناً في خطاب الغنّوشي، فلا يسعني إلا أن أقول إنّ التحريض على العنف ليس أسلوبه. التهديد الذي تشير إليه كتبه أحد المعلقين على موقع الغنّوشي منذ سنوات، وقد تمّ حذفه. يجب أن نقول الحق على أنفسنا وعلى خصومنا، وإلا فقد المثقّف كل مصداقية.
شخصيًّا لم أغيّر نهجي في الحياة وفي التفكير والتدريس بعد اعتلاء الإسلاميين الحكم. بل على العكس، كتبي التي كانت ممنوعة في تونس قبل الثورة تباع اليوم بها. أستمتع كغيري بحرية التنظّم التي كانت حكراً على المقرّبين، وأستمتع بحرية التظاهر السلمي التي كانت محفوفة بالمخاطر في عهد بن علي.
تصلني رسائل تهديد على الشبكات الاجتماعية من حين إلى آخر، لكنني لا أعيرها أي اهتمام، فأهمّ ما أخاف منه هو الخوف. في الخوف تترعرع أنواع الفاشية كافة، ومن شعارات التونسيين أثناء الثورة وبعدها: «لا خوف، لا رعب، السلطة ملك الشعب». أنا تلميذة في مدرسة هذه الثورة.

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Dr Raja Ben Slama Blog | © 2010 by DheTemplate.com | Supported by Promotions And Coupons Shopping & WordPress Theme 2 Blog | Tested by Blogger Templates | Best Credit Cards