Reklama

jeudi 14 juin 2012

0
عن العلمانيّة باعتبارها مبدأ توحيد ومساواة بين المختلفين

في هذا النّصّ صدى لما قرأته على صفحات الأوان من حوار مهمّ عن العلمانيّة والسّياسة والسّياسيّ. شدّني هذا الحوار وأرّقني أحيانا، ولكن منعتني العطلة الصّيفيّة وإكراهاتها الأليفة من المشاركة فيه، وها أنّني أعود إليه ولو بأخرة لتقديم بعض الآراء والملاحظات التي قد تبدو بديهيّة، إلاّ أنّ البديهيّ كنور الشّمس هو الذي نميل إلى تجنّب النّظر إليه أحيانا :

1- الأديان والمعتقدات خاصّة بمجموعات وفئات، فهي تفرّق ولا تجمع. ففي الوطن الواحد مهما تضاءل حجمه، ومهما أخفت إيديولوجيّته الرّسميّة أقلّياته، ومهما اختلق أصوليّوه من "هويّات خياليّة" أحاديّة، يوجد مؤمنون من مختلف الأديان والمذاهب، ويوجد غير مؤمنين من نفاة وجود الإله ومن اللاّأدريّين واللاّدينيّين، وهؤلاء جميعا توحّدهم العلمانيّة المأمولة، لأنّها مبدأ حياد مشترك هو جوهر السّياسيّ. جوهر السّياسيّ هذا أعتقد أنّه العيش المشترك، والشّوق إلى العيش المشترك ممّا يجعل الإنسان كائنا "مدنيّا بالطّبع". فالعلمانيّة تساوي بين هؤلاء المختلفين لأنّها لا تعتمد مرجعيّة دينيّة ومذهبيّة خاصّة، ولا تفاضل بين مسلم وغير مسلم، ولا بين مؤمن وغير مؤمن، بل هي تساوي بينهم وتوحّدهم باعتبارهم متشابهين وأحرارا بالولادة، وتترك لهم مجالا خاصّا لكي يعيشوا اختلافاتهم ويمارسوا طقوسهم الدّينيّة أو يحقّقوا نماذجهم الدّنيويّة. إنّها المبدأ الذي يجعل المختلف يجمّد اختلافاته المذهبيّة أو يمتحنها ليعيش المشترك الذي يجمعه بالآخرين، في مستوى غير مستوى اختلافه الدّينيّ والعقائديّ، هو السّياسيّ باعتباره "البعد الأساسيّ للواقع" كما كتب عبد السّلام بنعبد العالي.. فالعلمانيّة ليست مجرّد مذهب يطالب بالفصل بين السّياسة والدّين، بل هي شرط من شروط تجربة العيش المشترك الذي يتحوّل فيه العنف إلى كلام وحوار وتفاوض واقتسام واقتراع، وتتحوّل فيه البنى الانصهاريّة التّقليديّة إلى سلطات منفصلة ودوائر متمايزة.

2- العلمانيّة ليست دينا، وليست رأيا، بل هي الاتّفاق المبدئيّ على إمكان تعدّد الآراء، وجواز تعدّدها، وجواز اختلافها اختلافا يمكن أن يبقى اختلافا لا رجعة فيه، فلا حاجة إلى التّوفيق بين المختلفين ما دام المشترك الذي يجمعهم رغم اختلافهم وقبل اختلافهم أساسيّا، أي سياسيّا. والغفلة عن هذا البعد اللاّمذهبيّ للعلمانيّة تؤدّي إلى تحويلها إلى ديانة جديدة مناهضة للدّيانات، وهو التّصوّر الذي يريد الإسلاميّون و"التّراثيّون" اختزال العلمانيّة فيه.

3- نقيض العلمانيّة تبعا لذلك ليس الإسلام بل الأصوليّة باعتبارها إيديولوجية شموليّة، ونقيض العلمانيّة أيضا هو منظومة الفقه الإسلاميّ باعتبارها منظومة شموليّة. فلنذكّر بأنّ السّمة التي تعتبرها (حنّا أرنت) أساسيّة في الأنظمة الشّموليّة هي الخلط بين المجالين العامّ والخاصّ، والفقه الإسلاميّ الذي يسمّيه الأصوليّون "شريعة" ويعتبرونه متعاليا عن التّاريخ، وبمذاهبه المختلفة التي لا تختلف إلاّ في بعض التّفاصيل والمقادير، هو نظام يخلط بين القانون والأخلاق ويقنّن الحياة الخاصّة والعامّة ويخضع كلّ مجالاتها إلى أحكام الحلال والحرام وما بينهما، ويخضعها إلى مبدإ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر الذي يجعل كلّ مسلم بوليسا دينيّا على الآخرين، متكلّما باسم الله، حالاّ محلّه على وجه الأرض. فللمؤمن المسلم مثلا أن يمتنع عن شرب الخمر احتراما لمعتقداته، وأن يصوم رمضان، وللدّولة أن تضمن له هذا الاحترام، أمّا أن تتدخّل الدّولة ويتدخّل القانون لفرض عدم شرب الخمر وفرض صوم رمضان على كلّ من ولد مسلما، فذلك هو مظهر من مظاهر الخلط بين الأخلاق الدّينيّة والقانون، ومظهر من مظاهر الخلط بين العامّ خلطا منافيا للعلمانيّة وللحرّيّة. 

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=108015

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Dr Raja Ben Slama Blog | © 2010 by DheTemplate.com | Supported by Promotions And Coupons Shopping & WordPress Theme 2 Blog | Tested by Blogger Templates | Best Credit Cards