لعلّ المثليّة الجنسيّة تحتاج أوّلا إلى حدّ أدنى من التّعريف والتّحديد، لشدّة التباسها في الأذهان وفي النّتاج الإعلاميّ العربيّ بظواهر أخرى، ولحداثة المفهوم نسبيّا، فهو البديل العلميّ الحياديّ لتسميات أخرى ذات خلفيّة أخلاقيّة أو إيروسيّة قديمة (كاللّواط والأبنة والسّحاق) أو حديثة كـ"الشّذوذ الجنسيّ".
فالمثليّة اتّجاه جنسيّ يتمثّل في اتّخاذ موضوع من الجنس المماثل، مع عدم وجود أيّ التباس بيولوجيّ جنسيّ، ومع وعي الذّات في الغالب بأنّها تنتمي إلى جنسها البيولوجيّ، أي مع وعي الرّجل المثليّ بأنّه رجل، ووعي المرأة المثليّة بأنّها امرأة. وتبعا لذلك، ورغم تعقّد المسارات الفرديّة، وتعدّد أنواع المثليّات، لا بدّ من تمييز المثليّة الجنسيّة عن ظواهر أخرى خاصّة أو عامّة كانت ملتبسة في علم الجنس في القرن التّاسع عشر، واتّضحت تدريجيّا في التّحليل النّفسيّ، وفي أعمال الأمريكيّ روبر ستولر حول الجنس والجندر. نذكر من الظّواهر التي تختلف عن المثليّة بمعناها الدّقيق ما يلي :
• عدم وضوح الهويّة الجنسيّة نتيجة غموض في الأعضاء الجنسيّة في حالات البينجنسيّة intersexualité، وهو ما يطابق مفهوم الخنثى قديما. وعلاج هذه الحالات بالجراحة قد يكون ضروريّا في صورة تعارض وعي الذّات مع هويّتها الجندريّة التي أرادها لها الأبوان بالتّسمية وأرادتها السّلطات العامّة بالحالة المدنيّة. ولكنّنا نشهد في السّنوات الأخيرة مطالبة بعدم اعتبار البينجنسيّة عاهة أو تشوّها، بل اختلافا يجب احترامه.
• إنكار الهويّة الجنسيّة مع عدم وجود أيّ خلل بيولوجيّ أو تشوّه عضويّ. وهذا هو مجال تبديل الجنس transexualisme، وهو مجال مربك فرض نفسه حديثا على الطّبّ وعلى التّحليل النّفسيّ. فالذّات في هذه الحالة تنكر واقع جنسها البيولوجيّ وترفضه وتريد تغيير جسدها وفقا لما توفّره التّقنيات الطّبّيّة الحديثة من عروض ومغريات توهم بإمكان تغيير الجنس، رغم ما في الأمر من صعوبة، وما قد يؤدّي إليه العلاج الهرمونيّ والجراحيّ من خيبات ونتائج وخيمة.
• الولوع بالتنكر الجنسيّ، transvestisme، لدى الرّجال الذين يرغبون في التّنكّر في زيّ امرأة، لممارسة الجنس، على أنّ الممارسة الجنسيّة والوعي بالجنس لدى هؤلاء يظلاّن ذكوريّين. وهذه الحالات ناجمة عن إنكار الاختلاف الجنسيّ، وإنكار افتقار الأمّ للعضو الذّكوريّ.
• الازدواجيّة الجنسيّة النّفسيّة bisexualité psychique، وهي مكوّن بشريّ لا يفارق أيّ واحد منّا. هذا المكوّن هو الذي يفسّر وجود مثليّة جنسيّة كامنة وغير مفعّلة لدى غير المثليّين، وهو الذي جعل فرويد يقول إنّ الفعل الجنسيّ يتمّ في الحقيقة بين أربعة، فلا بدّ لكلّ جنس أن يستبطن الجنس الآخر ويقبله نفسيّا. وهذه المثليّة الجنسيّة الكامنة هي التي يرفضها المصاب بالبارانويا بكلّ شدّة، محوّلا موضوعه إلى عدوّ مضطهد كما في حالة رئيس المحكمة بول دانيال شريبر، فمذكّراته المنشورة سنة 1903 قدّمت للمعرفة النّفسيّة العياديّة أحسن مثال على انقلاب الحبّ المثليّ إلى كره شديد وعلى إسقاطه على الموضوع في شكل شعور بالاضطهاد والمحاصرة.
http://www.alawan.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%84%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%91%D8%A9.html
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire