Reklama

mercredi 27 juin 2012

0
حرية الرأي والتعبير ثروة وطنية مشتركة

الخميس, 03 أيار/مايو 2012
هل بدأ تعويض آلة الحكم باستبداد الفساد والأمن بآلة الحكم باستبداد الفوضى ؟
سؤال قلق يكاد يتحوّل إلى خوف أحيانا في لحظة تاريخية يقرّ فيها الجميع بأنّ الثورة التونسية قد شرّعت أبوابا رحبة للحرية وأعلت قيمة الكرامة في ذات كلّ تونسية وتونسي. كرامة متأصلة في عمق الإنسان خلنا أنها أطاحت نهائيا بالخوف وأصبحت ممكنا قابلا للتحقق في حياتنا.
لقد جاءت الأسابيع الأخيرة بأحداث نغّصت الإحساس الطوباويّ المطمئن بأن شعارات الكرامة والحرية والعدالة والمساواة متحقّقة لا محالة الآن وهنا. أحداث ينادي فيها البعض في الساحات العامة والمساجد ووسائل الإعلام بقتل الآخر المختلف. ويحاكم فيها أفراد ومؤسسات بتهم تتعلّق بالتعبير والتفكير والاعتقاد. ويمنع فيها مفكّرون من الكلام ويعتدى فيها بالعنف على ممثلات وممثلي أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني ووسائل إعلام ومعطلين عن العمل وعائلات جرحى الثورة وشهدائها.
أحداث أعادت إلى الأذهان ذاكرة الاستبداد واستقطاباتها السياسية والايديولوجية المرعبة. ولكنّها أبانت كذلك عن تردّد في الاختيار بين تحقيق أهداف الثورة بتفكيك أسس خطاب منظومة الاستبداد وآليات اشتغالها واقتراح خارطة طريق وطنية واضحة للانتقال الممكن نحو الديمقراطية، وبين محاولة بناء منظومة استبداد جديدة/قديمة تقوم على الإكراه والإقصاء والتهميش واحتكار وسائل السيطرة الاقتصادية والإدارية والرمزية.
هذا التردّد هو مبعث القلق لدى شرائح من المجتمع وسبب من أسباب تعطّل صياغة رؤية واضحة لسبل القطع مع ماضي الاستبداد السياسي وإنجاز انتظارات الناس في سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافيّة تقوم على الكرامة والعدالة.
ورغم محاولة البعض التّقليل من خطورة الأحداث الأخيرة بدعوى انحسارها في ممارسات فردية معزولة وأنها جاءت ردّا على خطاب هو الآخر استفزازي يقوم على الإقصاء، فإنها تشكّل إشكالا في حدّ ذاتها. فالتاريخ يعلّمنا أنّ منظومات الاستبداد والشمولية قامت دائما على تجريد الإنسان من وضعية الحماية القانونية لجسده وفكره وروحه تمهيدا لقتل الكرامة فيه. كما أنّها قامت على طمس شخصيته السياسية وقدرته على المشاركة في صنع القرار والتعبير عن آراءه. لذلك نفهم هذا الإصرار من بعض الأطراف على فرض "حقيقتها" المطلقة باستهداف معنَيين أساسيين من معاني الثورة :
حرية الرأي والتعبير والحريات الشخصية والجماعية.
لقد أصبح عدد هامّ من الشباب والأقلّ شبابا الذين عانوا آلام الإقصاء السياسي والاجتماعي والثقافي والقهر الجسدي والنفسي وطمس هوياتهم الخاصة بهم دعاة للإقصاء ومحتكرين "لشرعية" الثورة التي لا شرعية لها خارج شرعية شعارات الكرامة والعدالة والمساواة والحرية.
كما أصبحوا دعاة لوضع حدود جديدة مصطنعة للحريات عامّة وحرية الرأي والتعبير خاصة ولحرمان البعض منها مستعملين في ذلك فضاءات الحرية التي أتاحتها الثورة.
هؤلاء الحاملون لآلام الماضي لم يجدوا بعد لغة يحوّلون بها الألم إلى صناعة للحلم المشترك في غياب خطاب سياسي مسؤول وفي ظلّ ممارسة للسياسة تقوم على إثارة النّعرات واستثمار الخوف.
1.حرية الرأي والتعبير : الأفق المشترك الهش
لقد كانت الثورة التونسية هبّة جماعية ضدّ الاستبداد والفساد. ولكنها كانت كذلك إعادة اكتشاف لما هو مشترك بين الذّوات. هذا المشترك الذي نسمّيه كرامة حاولت آلة التخويف والإقصاء الفظّة أن تنتزعه من عقول وأرواح التونسيّات والتّونسيين بتحويل السياسي إلى مجال للخوف والإكراه بدل المشاركة، والاجتماعي إلى مجال للإقصاء والتهميش بدل المساواة والعيش معا، والاقتصادي إلى مجال للإفساد واحتكار المنفعة بدل العدالة والتوزيع العادل للثروة، والثقافي إلى مجال للخطاب الخشبي الميت بدل الإبداع والمعرفة، والقانوني إلى مجال لخدمة مصالح فئات معيّنة بدل خدمة الصالح العام وحماية الحريات.
لقد جاءت الثورة لتكشف عمقًا مدنيا عميقًا لدى التونسيات والتونسيين أطاح بآلة الخوف وأعاد مفهوم الكرامة إلى قلب مجتمعنا كلغة بناء أفق مشترك للعيش معًا.
فلم يكن ما شهِدناه في الأشهر الأخيرة من رغبة في التعبير بلا خوف وفرحة بإعادة اكتشاف إمكانات الكلمة والصورة والصوت والإشارة والتعبير الجسدي مجرّد تعبيرات منحتنا إياها سلطة ما فوقية بل كان تجسيدًا لإرادة الحياة لدى مجموعة لم تقبل بقتل رغبتها في الكرامة.
إنّ كلّ محاولة للالتفاف على هذه الإرادة، إرادة التعبير، أو لمحاولة تطويعها وتدجينها ستصطدم بإحساس الجميع أن هناك رغبة لدى البعض في العودة إلى نقطة الصّفر : نقطة الخوف وامتهان الكرامة.
لقد منحتنا الثورة من خلال حرية الرأي والتعبير والتفكير أفقًا هامّا مشتركا للعمل الجماعي من أجل القطع مع ماضي الاستبداد وتثوير رُؤانا في مجالات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على محاربة الإقصاء والتهميش والتمييز. كما منحتنا إمكانيات لاكتشاف الطاقات الفردية والتعبير عن كلّ ما هو مبدع في كلّ ذات بصفتها ذاتا تتساوي مع الجميع في الكرامة المتأصّلة في الإنسان.
ولكن هذه الإمكانات مهدّدة اليوم بمحاولات عديدة لضرب الرأي والفكر النقديين وتجريمهما وتكفيرهما وتعنيف ومحاكمة الإعلاميّات والإعلاميين ومحاصرة وسائل الإعلام العمومية ومحاولة تهميش أصوات منظمات المجتمع المدني والانتقاص من أدوارها الممكنة في الاقتراح ونقد السياسات.
ولا تقتصر هذه المحاولات على الإكراه المباشر بل إنّ هناك رغبة في إطلاق فوضى رمزيّة بالتشكيك في مفاهيم مثل حقوق الإنسان والحريات والدولة المدنية والمساواة أو بوضع مفاهيم في تعارض مطلق وصراع مثل حقوق النساء والطفل/حقوق الأسرة، والكونية/الخصوصية، والعمل المدني/العمل الخيري، والمجتمع المدني/المجتمع الأهلي، وحقوق الإنسان/العقيدة، والحرية/المسؤولية، وحرية الرأي والتعبير/حرية التفكير والعقيدة والوجدان والدين.
إنّ محاولة ضرب حرية الرأي والتعبير بالإكراه حينًا وبإطلاق فوضى مفاهيم حينًا آخر هو المدخل السيئ لإشاعة ضبابية الرؤيا ومنع الناس من فهم حاضرهم وتبين الصّراعات الحقيقية التي تقع الآن بين تصوّرات مختلفة حول المجتمع الذي نريد.
كما أنّها مدخل لإعاقة أيّ محاولة لبناء فضاءات للحوارات الوطنية الحقيقة حول استحقاقات مرحلة الانتقال نحول الديمقراطية واقتراح مشاريع مشتركة حول شكل النظام السياسي والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تخرجنا من خراب الاستبداد الفاسد وتداوي جراح الماضي بالعدالة وتجد حلولا حقيقية لمشاكل حارقة مثل التشغيل والفقر والتّهميش.
إنّ مسؤولية الخطاب السّياسي والممارسة السياسية اليوم خطيرة كلّ الخطورة في الحفاظ على هذا الفضاء المشترك: فضاء حرية الرأي والتعبير وبإصلاح المؤسسات الإعلامية والرفع من قدرات الإعلاميين والإعلاميات وحمايتهم بدل عزلهم وتحقيرهم، وصيانة مجال الإعلام بتفعيل القوانين والمؤسسات التي تضمن استقلاليته وتبعده عن الاستقطابات والصراعات التي تنتج هذا الكمّ الهائل من خطابات الكراهية والثّلب والتحقير. خطابات تضرب الحريات باسم احتكار الحقيقة وتبرّر في الآن ذاته العنف والفوضى باسم الحريّات.
وهي مسؤولية تاريخية للجميع : سياسيين وإعلاميين ومشغلين في الحقل المدني لجعل حرية الرأي والتعبير الثروة الوطنية المشتركة التي تسهّل العيش معا وتبني السلم الاجتماعية والتنمية الإنسانية الشاملة.
2.حرية الرأي والتعبير والثورات المنسيّة
لقد أبرز "تسونامي" حرية الرأي والتعبير الذي أبدعته الثورة التونسية موجات من المبادرات المبدعة في كلّ المجالات وأبان عن طاقات مدنية حين وُضعت في مسارات العمل الجماعيّ والوفاقيّ. فإعدادا الإطار القانوني للمرحلة الانتقالية في الهيأة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي والحملة التضامنية التاريخية لنجدة وإغاثة اللاجئين وإنجاح الانتخابات والسنة الدراسية وحماية الموسم الفلاحي، كانت كلّها مجهودات تشاركية عبّرت عن وعي شعبي أعاد استلهام خبايا الثروات المدنية المتأصلة في ثقافتنا وتربيتنا الأساسية الأصيلة حين امتزجت بإحساسنا الفردي والجماعي باسترجاع الكرامة.
فهذا البلد استبق الزّمن العربي بإلغاء العبودية وكتابة أول دستور وإنشاء نقابة عمّالية ورابطة للدفاع عن حقوق الإنسان وتحرير النساء والطفل والأسرة والتحرّر من الاستعمار والاهتمام بالتعليم ونجدة القضية الفلسطينية في أصعب مراحلها وبلورة رؤية وسطية متسامحة للدين الإسلامي والمساهمة في كلّ حركات التجديد الثقافي والمعرفي والفني. هذا البلد أنجز ثورة مدنية شعاراتها الكرامة والمساواة والعدالة والحرية أعادت فتح إمكانات كبيرة لإعادة تعريف السياسي وثقافته على أساس المبادئ والممارسات المدنية.
ولكننا نلاحظ اليوم أنّ هذا الحراك المدني قد بدأت تخفت أصواته المتعدّدة أمام احتكار النقاش والتجاذب الحزبي لفضاءات التعبير والاستقطابات السياسوية والأيديولوجية الصّاخبة والاحتقان المتصاعدة وتيرته بين الحكومة وخصومها.
ويمكن أن نعيد هذه التجاذبات إلى انفتاح صندوق التعبير السياسي فجأة أمام التّائقين إلى العمل الحزبي وطول فترة القهر والحرمان من المشاركة في الحياة السياسية. كما يمكن أن نتفهّمها نظرا إلى جدّة الأحزاب وقلّة خبرتها وانقطاعها الطّويل عن محيطها.
ولكن حصر السياسة في نظر شعب مُنع من الثقافة السياسية على مدى عقود في صراعات بين فرقاء، قد يحوّل السياسة إلى مناسبات انتخابية تبعد الجميع عن العمل الجماعي من أجل تحقيق أهداف الثورة وتنتج مشاهد برلمانية وحكومات هشّة.
إنّ حماية فضاءات الثقافة المدنية وإبراز إمكاناتها هو السبيل لشقّ طريق أخرى ما بين العمل السياسي بمعناه التقليدي وتحريك طاقات الناس المبدعة لإيجاد حلول لمشاكلهم وبناء رؤيتهم للمجتمع الذي يريدون.
إن خفوت الصوت المدني أمام ضجة التعبير السياسوي الضيّق والاستقطابات سيزيد من "مناطق الظلّ" في القضايا المطروحة ويعطّل النظر الجماعي في ثورات منسيّة كانت هي الثورات الحقيقية التي أطلقتها تونس.
إنّ الخروج من فخّ إرجاع الخطاب السياسي والممارسة السياسية إلى الشرعية الانتخابية فقط وإلى التموقع الحزبيّ سيعيد الثّقة إلى الناس في ثورتهم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أطلقوها.
ولعلّ تحييد بعض المواضيع عن الصراع والاستقطاب وإعادتها إلى أفقها المدني، أفق المشاركة الواسعة في الحوار والتعبير والبحث عن الحلول الجماعية، هو الذي سيحمي البلاد من رؤية قدرية تخيّر الناس بين الاستسلام للاستبداد أو الفوضى.
إنّ مواضيع من قبيل العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسات وصيانة سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية عادلة والنهوض بحقوق الإنسان والحريات وحياد الإدارة هي مجالات يجب أن تحيّد عن الاحتكار والصّراع وتُصاغ تصوّراتها وحلولها جماعيا في إطار فضاءات ثقافية سياسية مدنية تنأى بالناس عن فضاضة التهميش والإقصاء وتحمي قدرتهم على التعبير والمشاركة.
لقد أدخلتنا ثورة تونس، بل أدخلت العالم كلّه، في مرحلة جديدة من مسارات متعدّدة أصبح فيها الاستبداد بمعناه الشمولي سواء كان ايديولجيا أو سياسيا أو أمنيا أو ماليا أمرًا غير قابل للتحقّق في نفوس المستبدّين. ثورة أطلقت كلّ الطاقات الفردية والجماعية للخروج من عوالم الخوف والفاقة. ولكنّها ثورة ملأى بالهشاشة والانتظارات والمخاطر التي لا يمكن مواجهتها بدون ثقافة سياسية جديدة تقوم على التضامن في المسؤولية والمواطنة والحرية

Ben Hassen

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Dr Raja Ben Slama Blog | © 2010 by DheTemplate.com | Supported by Promotions And Coupons Shopping & WordPress Theme 2 Blog | Tested by Blogger Templates | Best Credit Cards