إلى متى سيبقى دعاة العنف والتّخريب والحرق على الفايسبوك مفلتين من العقاب؟ ومطلقو الشّائعات وهاتكو الأعراض؟ التّحريض على العنف جريمة، والدّعوة إلى العنف جريمة، والثّلب جريمة، فنرجو أن تتدخّل السلطات لحماية العباد والبلاد من هؤلاء الفايسبوكيّين الخطيرين.
وستكون في ذلك حماية لحرّيّة التعبير نفسها، لأنّ هؤلاء هم الذين يعملون على الحدّ من حرّية الفكر والمعتقد والتعبير، بتهديدهم للمفكّرين الأحرار، وبصيحاتهم البدائيّة : واإسلاماه.
نحن المثّقفين "العزّل" من كلّ سلطة ومال وجاه وقوّة، سوى قوّة الإيمان بالحرّيّة، نصرّ على أن "لا خوف بعد اليوم"، ونصرّفها هكذا : لا خوف ممّن يقدّسون كلّ شيء إلاّ الحرّيّة، لا خوف من المستبدّين الجدد، لا خوف من المكمّمين الجدد للأفواه، لا خوف ممّن خرجوا من جحور الماضي ليحوّلوا وجهة ثورتنا، ولا خوف من جوقة الانتهازيّين الضّاربين بالدّفوف من حولهم. سنظلّ ندافع عن كلّ فكر متحرّر، وعن كلّ عمل إبداعيّ، ولن تخيفنا صيحات الكهنة الجدد، لأنّ ما يقدّسونه حقيقة هو ما ينعكس من أنفسهم على سطح الواقع : الكره والخراب والبشاعة والموت. لهم مقدّساتهم ولنا مقدّساتنا.
مخّي تنفخ من الكلام على الهويّة في برامج القائمات المترشّحة. يا ناس كلّما زادت الهويّة نقصت الحرّيّة. الهويّة في السياسة تعني : حصر المتعدّد في الواحد، ووضع المختلف خارج السّلّة، ودقّ مسمار في الأرجل حتّى لا تسير مع الزّمان. في الخطاب السياسيّ الهويّة لا تخدم سوى الفاشيّة. لا يبحث عن هويّته سوى المريض والمهزوز. في النهاية، سأصوّت لمن ينتصر للحرّية على الهويّة.
وما الداعي أصلا لاعتبار الشريط "مهينا للّه عزّ وجلّ"؟ هل اللّه قابل للإهانة؟ هل الله يحتاج إلى دفاعكم عنه ضدّ شريط سينمائيّ؟ وأين حرّية المعتقد التي تنادون بها إن كنتم ستفتحون قبل الانتخابات باب محاكم التّفتيش بسبب فلم أو صورة؟ لم تصدروا أيّ بيان يدين حادثة أفريكار، بل اعتبرتم الفلم المعروض استفزازا، والآن تتّهمون الشريط ون وتطلبون من جمهوركم التريّث لا من باب الإيمان بالحرية بل من باب الخوف على الانتخابات. أنصاف حلول، ووقوف على العتبة، وعجز عن النّهوض بعبء الحرّيّة
كلّ ما حدث في سوسة تتحمّل مسؤوليّته الأولى وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ، لأنهّا لم تصدر منشورا واضحا يمنع النّقاب في الجامعة. يجل أن تفعل هذا لأسباب تتعلّق بحرمة الجامعة واستقلاليّتها، ولأسباب أمنيّة، ولأسباب تتّصل بطبيعة العمليّة البيداغوجيّة، وباستحالة التّواصل مع تغطية الوجه. وليتحمّل كل العمداء والأساتذة مسؤوليّتهم. حجّة الحرّية التي لا يرفعونها إلا للدّفاع عن النقاب باطلة. وإلاّ سمحنا للعراة بالدخول إلى الجامعة، وباسم الحرية الشخصيّة أيضا. الكشف عن الهويّة عند الدّخول إجراء غير كاف، ما العمل إذا أعادت المنقّبة نقابها في القسم؟ وهل نقبل بهذه المهزلة وبهذا التّسلّط باسم الدّين على المؤسّسات وعلى المقامات العلميّة التي يجب أن تبقى خارج منطق العلاقة الجنسيّة، وخارج منطق الشبهات؟
لماذا تتعب الإذاعة الوطنيّة نفسها، وتستجوب "أخصّائيّا اجتماعيّا" إن كان سيقدّم لها جوابا لا يختلف عمّا يقوله عامّة النّاس، ولا يرقى ولو سنتمترا واحدا على "الحسّ المشترك" وعلى المسلّمات الممجوجة؟ الأخصائيّ ينهى، وكأنّه داعية دينيّ-عن "استفزاز مشاعر الدينية في بلد فيه "أغلبية ساحقة من المسلمين". ألا يعلم هذا الأخصائي أنّ المجتمع الذي يكون متسامحا هو المجتمع الذي لا يستفزّ بهذه السهولة؟ لماذا لا يقدّم لنا معطيات عن سوسيولوجيا التسامح بدل تقديم المواقف الأخلاقيّة غير المعرفيّة؟ متى نتعلّم شيئا من اللامبالاة؟ أو متى نكتب مقالا ضدّ عمل فنّي لا يعجبنا بدل الهرج والمرج والصّراخ والتباكي؟
ماذا أقول بعد أن شاهدت نشرة الأخبار اليوم 7/10 /2011 على القناة الوطنيّة؟ ترتيب الأخبار : أول خبر سياسي بعد الأمور الأمنية و أخبار البيض وحوادث الطرقات يتعلّق بجمعيّة دينيّة تقدّم لنا فتوى عن "شرعيّة الانتخابات". أكاد لا أصدّق : هل نحتاج إلى فتوى دينية في الأمور السياسية؟؟ ثمّ ماذا أرى : في هذه التظاهرة الدينية-السياسية نرى الرّجال في الطابق السفليّ والنّساء في الطّابق العلويّ. هل هذه تونس الحديثة، تونس الجميلة التي نعيش فيها؟ بعد ذلك تأتي الحملة الانتخابية. بعد ذلك، يأتي ملحق بالأخبار. ماذا نكتشف : زيارة وزير الحكومة للولايات المتحدة، ومدى الاحتفاء به وبالثورة التونسية، على نحو غير مسبوق، وفيه تحيّة إكبار للشعب التونسي أولا وقبل كل شيء. قسم الأخبار يهمّش الموضوع ويقطعه. ماذا تريد تلفزتنا في نهاية الأمر : ترويع النّاس بتضخيم الأخبار الهامشية وتضخيم عدد السلفيين المنفلتين؟ تدمير المسار الديمقراطي بإظهار التافه وإخفاء المهم؟ لا أدري، لكنّني حزينة.
أطلقت صيحة فزع تتعلق بنشرة الأخبار في التلفزة الوطنية عسى أن يصل صوتي إلى فريق الأخبار أو إلى الإدارة. طريقة ترتيب الأخبار، وعدم التمييز بين ما هو هامّ وما هو تافه. ثم الترويج لجمعيّة إسلامية تفصل بين النساء والرجال وتقدم لنا فتوى بخصوص الانتخابات، وتهويل الأرقام والأحداث المتعلقة بالانفلاتات السلفية الطفيفة، وعدم إبراز أهم حدث متمثل في الاحتفاء الكبير الذي لقيه رئيس الحكومة في الولايات المتحدة، وهو احتفاء بتونس وثورتها... بصراحة : المسألة كانت كارثية بالأمس.
المحامون الذين لا يرفعون القضايا للدّفاع عن حرّية التعبير بل للتّضييق عليها-ذكّروني بالمحامي المصريّ المرعب نبيه الوحش، عليهم أن يقيموا دعاوى ضدّ كلّ من "مسّ بالمقدّسات" من الأدباء والشعراء طيلة التّاريخ. أخرجوا بشار بن برد وأبا نواس والمعرّي من قبورهم لأنهم "مسّوا بالمقدّسات" أكثر بكثير من شريط "برسبوليس". وأقيموا الحدّ على الجامعة التونسية التي تواصل تدريس نصوص هؤلاء. والحشود المستفزّة الغاضبة، عليها أن تحرق ألف ليلة وليلة والفتوحات المكية، كما فعلت حشود مصر سنة 1985. أيّها الإعلاميّون والمحلّلون والمثقّفون، قولوا في كلّ مرّة : موش وقتو، إلى أن تستفيقوا على طوفان العنف القداسيّ وهو يجرفكم مع القطعان الهائجة.
كم أنت جزيرة يا تلفزة وطنيّة!!!
كان للهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام موقف مبدئيّ ومشرّف من الأحداث. أمّا تلفزتنا الوطنيّة، فقد اختارت تهييج النّاس في الاتّجاه الشّعبويّ، وانساقت حتّى إلى إدانة محمد الطّالبي. قدّم أحد إعلاميّيها "الرّأي المخالف باحتشام"، في خطاب غير متوازن، ينافس الجزيرة في عدم حيادها وفي ديماغوجيّتها. مرحبا بالببّغائيّة الجديدة التي لم تعد في خدمة بن علي، بل في خدمة الغباء العموميّ.
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire