Reklama

vendredi 13 juillet 2012

0
تاريخ لم يكتب وعنف لم يوصف18.06.2007..

لم تحرق النّساء في العالم الإسلاميّ كما أحرقن في أوروبّا بتهمة السّحر والتّحالف مع الشيطان، لا لأنّ الإسلام يحرّم حرق الأجساد ويجعله حكرا على الله فحسب، بل لأنّ مؤسّسة الحجاب مثّلت جدارا عازلا حدّ من حضور النّساء في الفضاءات العموميّة، ووفّرت جهازا ناجعا نسبيّا للتّحكّم في أجسادهنّ ومراقبة أنشطتهنّ. وفي الوقت نفسه، مثّل الحجاب تطويقا لفتنة النّساء، إذا فهمنا الفتنة بمعنى السّحر، وإذا اعتبرناها الصّيغة الإسلاميّة لتحالف النّساء المفترض مع الشّيطان الذي يسمّى في العربيّة "فتّانا"، أي مع المتعة الجسديّة والمحرّم. الفتنة في رأيي هي السّحر الحلال الذي اتّهمت النّساء به، ولكنّ هذا السّحر لا يكون حلالا إلاّ إذا أسدل عليه حجاب من حجارة أو قماش، وقنّنته كوكبة الممنوعات التي نعرفها، من منع الخلوة المحرّمة إلى منع التّبرّج والمصافحة والخروج بدون إذن.
ومع ذلك لم تتكفّل حواجز الحجاب وحدها بقمع النّساء، لأنّ النّساء كنّ يخرجن إلى الأسواق والمقابر والحمّامات، ولم يكنّ جميعا من ربّات الخدور المترفات، بل كانت الكثيرات منهنّ إماء يكلّفن بالخروج لقضاء الحاجات، وكانت الكثيرات منهنّ يمتهنّ حرفا نسائيّة. وتعجّ كتب التّراث بالأخبار التي تتحدّث عن قرار أصحاب السّلطة منع النّساء من الخروج إلى الحمّامات والمقابر من حين لآخر، وضرب أولياء الأمر والمحتسبين إيّاهنّ بالسّياط. فقد كان عمر بن الخطّاب يؤدّي بنفسه وظيفة المحتسب، ويدور بسوطه في الأسواق، محاولا تطهير المدينة من ظلال الشّيطان : "روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع نائحة فأتاها فضربها بالدرة حتى وقع خمارها عن رأسها. فقيل: يا أمير المؤمنين, المرأة المرأة! قد وقع خمارها. فقال: إنها لا حرمة لها. أسند جميعه الثعلبي رحمه الله." (تفسير القرطبيّ)
ويفيدنا ابن تغري بردي في كتابه "النّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة" بشيء من أخبار الحملات "البوليسيّة" الدّينيّة على النّساء. ففي عهد الملك الأشرف برسباي (القرن الخامس عشر م)، كان محتسب القاهرة دولات خجا "يتتبّع النّسوة ويردعهنّ بالعذاب والنّكال، حتّى إنّه ظفر مرّة بامرأة وأراد أن يضربها فذهب عقلها من الخوف، وحملت إلى بيتها مجنونة، وتمّ بها ذلك أشهرا، وامرأة أخرى أرادت أن تخرج خلف جنازة ولدها، فمنعت من ذلك فرمت بنفسها من أعلى الدّار فماتت."
ولم نكتب إلى اليوم تاريخ قمع النّساء كما كتب الأوروبّيون منذ القرن التّاسع عشر تاريخ محاصرة السّاحرات وحرقهنّ، وإعدام أوائل المطالبات بحقوق النّساء إبّان الثّورة الفرنسيّة وبعدها. لا يعود ذلك في رأيي إلى فقر في الكتابات التّاريخيّة العربيّة التي تهتمّ بالحياة اليوميّة وبفئات اجتماعيّة غير الطّبقات الحاكمة، وفقر في الدّراسات النّسائيّة التي لا تكتفي بالحديث الورديّ المبستر عن رائدات النّهضة النّسائيّة. بل يعود هذا النّقص إلى أنّ هذا الماضي الذي يجب أن نكتب تاريخه لم يمض بعد، وإلى أنّ اللّحظة الحداثيّة التي تجعل علاقتنا بالتّقليد إشكاليّة لم تنتج تراكما معرفيّا كافيا، ولم تنجح في إحداث تغيير جذريّ في الأنظمة الاجتماعيّة والعقليّات السّائدة في الكثير من البلدان العربيّة.
لقد خرجنا من التّقليد، بل ألقي بنا خارجه بالأحرى، ولكنّنا بقينا معلّقين بتلابيبه واقفين على أعتابه، وبقيت بعض أجهزته القمعيّة متواصلة في أكثر الدّول ثراء ونفوذا إعلاميّا، وبقيت متجلّية كأحسن ما يكون في مؤسّسة الحسبة القائمة على مبدإ "الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر". وأبرز دليل على أنّنا خرجنا من التّقليد دون أن نخرج منه هو عجزنا عن إيجاد علاقة تأويليّة بالآيات القرآنيّة التي تكرّس العنف ضدّ النّساء في شكله القانونيّ المنظّم أوفي شكله الفرديّ الاستثنائيّ. فقد أقرّ القرآن بأفضليّة الرّجل على المرأة من خلال الآية : "ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف، وللرّجال عليهنّ درجة، واللّه عزيز حكيم" (البقرة/228)، ومن خلال الآية : "الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم." (النّساء/34). وفي هذه الآية نفسها، ونتيجة للأفضليّة المعلن عنها، والتي لا يمكن أن ينكرها اليوم إلاّ سفسطائيّ أو مؤسطر للماضي، أباح للزّوج معاقبة زوجته عقابا يمكن أن يصل إلى الضّرب : "... فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه، واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا."

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire

 
Dr Raja Ben Slama Blog | © 2010 by DheTemplate.com | Supported by Promotions And Coupons Shopping & WordPress Theme 2 Blog | Tested by Blogger Templates | Best Credit Cards