هناك الملتفّون على الثّورة وهناك الأوصياء عليها أيضا. براجماتيّة الملتفيّن تقابلها المثاليّة الدّونكيشوتيّة للأوصياء. الأوصياء على الثورة يعتبرون أنفسهم الأنقى والأشرف والأكثر مواطنة ربّما من غيرهم. بعضهم يرى هذه الانتخابات التي نعيشها لأول مرة على نحو ديمقراطيّ "مهزلة" لأنها مليئة بالقذارات، وكأن السياسة أطرافها من الملائكة والأبرار والأطهار. الأوصياء على الثورة لا يقلّون خطرا من الملتفّين عليها، بل إنّهم أكثر نرجسيّة، وأكثر سلبيّة. لا أخطر من الملائكة.
لن أصوّت لرجال الأعمال والوجهاء الذين يستعملون مالهم للضّغط وشراء الأصوات. الأمثل عندي هو أن يبقى رجال الأعمال بعيدين عن السياسة. مثال : أعرف مترشّحا في رأس قائمة حزب يمينيّ كان مقربا للسلطة، وهو "يعمل الخير" من جهة، ويستغلّ عرق العمّال والعاملات من جهة أخرى. هؤلاء الوجهاء و"الواصلون" هم الذين يمكنهم أن يعيدوا إنتاج التّجمّع، أكثر من التّجمعيين القدامى ربما.
من لا يحبّ نفسه لا يمكن أن يحبّ أحدا. العدميّون والسلبيّون والمتشائمون والمنبّرون الذين لا يرون نقطة الضّوء في الظّلام يسقطون على العالم ظلامهم الدّاخليّ الذّاتيّ. المسألة نفسيّة كذلك، بل هي نفسية أولا وقبل كلّ شيء.
الأشخاص الذين لم يعرف عنهم أيّ نضال في مجال الحرّية والمساواة، والأشخاص النّرجسيّون الذين يحبّون النّجوميّة والخطب الدّيماغوجيّة في التّلفزات، فهم يعملون لحساب صورتهم الخاصّة، والأحزاب التي تغلّب الهويّة الثّابتة على الحرّيّة، والقائمات التي تدّعي أنّها مستقلّة وهي مرتبطة بأحزاب. ولا بدّ من خارطة تصويتيّة لتجنّب تشتّت الأصوات لفائدة القائمات اليمينيّة والشّعبويّة والهوويّة.
خمسة قنوات تلفزية سيرحّص لها، إقبال الغربي تدير إذاعة "الزيتونة" الدّينيّة التي كانت ملك صهر الرئيس، نسبة الجريمة تدنّت بعد الثّورة، رغم ما يسمّيه التّونسيّون "انفلاتا أمنيّا"، حتّى وإن تعلّق الأمر بشجار بين حيّين أو بطلقات فوشيك، أرقام كثيرة تدلّ على أن الاقتصاد لم يصل إلى وضع كارثيّ. 40 بالمائة من القائمات المترشّحة هي قائمات مستقلّة. حوارات، نقاشات، مقترحات... تونس تحوّلت فعلا إلى فبريكة للدّيمقراطيّة. ما أحلى هذا الخريف!
الثّورجيّة-التي تذكيها الثورة المضادّة- ستخرّب البلاد، بمساعدة الفايسبوك. إشاعات، تحريض على العنف، تخوين للجميع بما في ذلك الجيش الوطنيّ، سخرية من هيبة الدّولة، استهتار بكلّ شيء. آخرتها : نقابات الأمن وبيانات رجال الأمن. حاميها مخر ّبها.
الجزيرة عمت العيون وصمّت الآذان، إلى حدّ أنّ الخبر الذي لم تورده هذه الفضائيّة المؤدلجة يعتبر كاذبا، والمشاهد التي تكرّر عرضها لغسل أدمغة المشاهدين ووضع نظّارات إسلاموية على أعينهم تعدّ هي الحقيقة الوحيدة والحدث الأصليّ.
برامج الإسلاميين خالية من كلّ شيء إلاّ الأخلاقيّات، وأخلاق ناشطيهم الفايسبوكيين تحت الصّفر. هذه المفارقة. ما رأيكم في شخص يضع على صفحته شعار "اذكروا الله" ويكتب تعليقا على صفحتي يصفني فيه بالكلمة التي تعرفون؟ ما يجعلني ضدّ الإسلام السياسي وضد المتدينين المتشددين أمران : اختلاف مرجعيّتي عن مرجعيّتهم التي أعتبرها ضدّ الحرية والمساواة، وهذه الضحالة الأخلاقية والمعرفية التي تتجلّى لدى ناشطيهم على الفايسبوك وناشطيهم في المساجد ممّن يريدون افتكاكها من سائر المؤمنين. أما مراوغات سياسييهم، فقضية أخرى.
هل تريد التلفزة الوطنيّة أن تعود بنا إلى عهود
7.09.2011
la loi du talion؟ في أخبار الليلة ردّدت المذيعة كلمة "القصاص" في حديثها عن مطالب أهل الشهداء. أن ترد الكلمة على لسان إنسان عاديّ فهذا مفهوم، أما في التلفزة الوطنيّة فالمصطلح في غير محلّه، بل وخطير، لأنه يحيل إلى عالم قبليّ تأخذ فيه العشائر بحقّها بنفسها... وسائل الإعلام يجب أن تستعمل لغة القانون وحقوق الإنسان. يجب أن تتحدّث عن محاكمة القتلى لا القصاص منهم. القصاص يعني : العين بالعين والسّنّ بالسّنّ والعقاب بالقتل أو دفع الدّية. قلنا : دربوا الإعلاميين على حقوق الإنسان