رجاء بن سلامة
الحوار المتمدن - العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17
المحور: ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001
الحوار المتمدن - العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17
المحور: ملف مفتوح بمناسبة الذكرى الخامسة لاحداث 11 سبتمبر 2001
رجم طفلة معصوبة العينين لها من العمر ستّة عشر ربيعا، رجمها بتهمة الزّنا إلى أن تسقط خائرة القوى ويتأكّد الرّهط المحيط بها من موتها،
قطع يد سارق وتحويله من إنسان قويم قابل للتّأهيل والتّربية إلى معاق سيبقى مبتورا مبصوما إلى آخر رمق في حياته،
قطع رقبة شاعر بتهمة الرّدّة عن الإسلام، لن يذكر اسمه بعد ذلك إلاّ في تقارير بعض المنظّمات المتخصّصة في حقوق الإنسان، أو في الفصل 19 من الإعلان العالميّ عن حقوق الإنسان، (لن تذكره على أيّة حال اتّحادات الكتّاب العربيّة المعنيّة أوّلا وقبل كلّ شيء بالمشاركة في المهرجانات السّارّة والعكاظيّات القوميّة التي لا تنغّصها القضايا المتنافية مع ثوابت الأمّة)،
منع امرأة من أن ترث كإخوتها، شعورها بأنّها قطّة الرّماد في عائلة من الذّكور المحظوظين الوجهاء، رغم أنّها تحبّ أباها الدّفين، وتريد التّحرّر من قصّة الأصل الجماعيّة والفرديّة التي تجعل من المرأة كائنا دونيّا، منذ خروج حوّاء من ضلع آدم إلى ولادتها هي..
عجز امرأة يضربها زوجها كلّ يوم عن الطّلاق لأنّ التّطليق بيد جلاّدها ومؤدّبها، أو عجزها عن شكواه إلى البوليس لأنّه يرشو أعوان البوليس، أو عجزها عن تقديم دعوى ضدّه لأنّها لا تملك أجر محامي الدّفاع، أو لا تملك مبلغ الخلع ...
هذه ليست تفجيرات 11 سبتمبر، ليست صيحات الجهاد الموجّهة نحو الأعداء المفترضين، بل هي تفجيرات صامتة من نوع آخر. إنّها ليست الإرهاب المعولم الذي يخلق الحدث الاستثنائيّ المغطّى إعلاميّا، بل هي عنف من نوع آخر، عنف إسلاميّ- إسلاميّ صرف. ليست الإيديولوجيا الجهاديّة التّكفيريّة التي من السّهل التّبرّؤ منها رغم كلّ شيء، بل هي شيء أليف، لم نعد نتحدّث عنه، ويجب أن لا ينسينا إيّاه "الإسلام المتطرّف" رغم أهمّيّته على السّاحة العالميّة وأهمّيّة مقاومته : إنّها النّصوص التي يقال لنا إنّها لا تقبل الاجتهاد. إنّها "الشّريعة" التي تقصف الأعمار والحيوات بمنأى عن وسائل الإعلام المتلهّفة لأحداث القتل والدّمار والمتغافلة عن القتل عندما يكون نظاميّا قانونيّا، والتّدمير عندما يكون هادئا بطيئا، والرّقابة عندما تمدّ مخالبها في صمت وتلتفّ كأصابع الأخطبوط بالحناجر والأقلام، والعبوديّة في عصر زالت فيه العبوديّة بمعناها الصّريح. إنّها بالأحرى "الشّريعة" في حال السّلم، عندما لا تكون جهادا ضدّ الأعداء الخارجيّين، بل ترتيبا داخليّا للبيت الإسلاميّ.
هذه الأجساد المرجومة والأيادي المبتورة والرّؤوس المقطوعة والنّفوس المكسورة ليست تقوّلات وافتراءات صليبيّة أو صهيونيّة على الإسلام. هي مشاهد يكفي أن نفتح أعيننا عليها لكي نراها. بعضها متاح في أفلام ووثائق منشورة على الأنترنيت، وبعضها ممّا يتاح لنا رؤيته في الحياة اليوميّة للنّاس البسطاء الذين لا صوت لهم فعلا، وبعضها نعيشه ويذكّرنا إيّاه حرمان التّونسيّات إلى اليوم من حقّهنّ في المساواة في الإرث، رغم ما كلّ تحقّق في هذا البلد من تحديث اجتماعيّ وقانونيّ.. كلّ هذه الأفعال تتمّ باسم الشّريعة الإسلاميّة، باسم الأحكام الفقهيّة والنّصوص "القطعيّة الدّلالة".
وبعد ذلك نرى المسلمين يتباكون لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وكأنّ الصّورة خيال لا يعكس صاحب الصّورة، ويتباكون لصعود موجة الإسلاموفوبيا، وكأنّ الإسلام كما نعيشه اليوم خال هو نفسه من الفوبيا، من فوبيا النّساء والضّعفاء والمختلفين في الدّين والرّأي... وبعد ذلك يتصايح الأوصياء على الإسلام من المعمّمين وغير المعمّمين، يتصايحون قافزين إلى الأمام، مردّدين بأنّ الإسلام دين المحبّة والتّسامح والمساواة والعقل، مطالبين كلّ من يتحدّث عن الإسلام بأن يكون مسلما مثلهم، وأن يشاطرهم آراءهم في الإسلام، وإلاّ فليعتذر، وإلاّ فالويل والثّبور...
ومع ذلك فإنّ المسلم يمكن أن يكون مسلما دون أن يعيش في كنف ما اصطلح عليه في العصر الحديث بالشّريعة، وما قرّر دعاة الإخوان المسلمين اعتباره "صالحا لكلّ زمان ومكان". ومع ذلك، فهناك أناس يصلّون ويؤمنون باللّه ورسله واليوم الآخر دون أن يطالبوا بإقامة الحدود، ودون أن يكونوا مهووسين بالحلال والحرام، ودون أن يعبدوا ما تشيّئه جماعات الإسلام السّياسيّ في شعارات "الإسلام دين ودولة" و"الإسلام هو الحلّ". يصلّون فيجدون السّكينة الرّوحيّة التي يحتاجون إليها، ولا يحتاجون إلى صلاة الآخرين من حولهم، لأنّهم ممتلؤون بإيمانهم. لا يحتاجون إلى إيجاد العكاكيز التي تجعلهم أكثر إيمانا. هؤلاء هم أهل الحقيقة لا الشّريعة. هؤلاء هم حفدة ابن عربيّ ولسان الدّين بن الخطيب، وهم القادرون وحدهم على الحديث عن المحبّة والتّسامح.
جفّت الأقلام بالمطالبة بتحرير المرأة المسلمة، منذ ما يزيد عن القرن، بحّت الأصوات المنادية بفتح آيات الاجتهاد، وترك العقوبات الجسديّة المهينة، وترك حكم الرّدّة، والاعتراف بمواطنة غير المسلمين من الأقلّيّات الدّينيّة. تعبنا من خطابات الإصلاح والتّرميم وحيل الفقهاء. ربّما وجب علينا أن نرفع شعارا جذريّا بنّاء نستردّ به الإسلام من أهل الشّريعة. وهذا الشّعار هو تحرير الإسلام نفسه من الشّريعة، تحريره من ترسانة الفقه القديم وهلوسات الفقهاء الجدد. الدّين ليس منظومة تشريعيّة، وليس نظاما سياسيّا، بل هو إيمان وعبادة ومبادئ روحانيّة. رافعو شعار الإسلام دين ودولة، غير قادرين على عيش الإسلام باعتباره دينا وتجربة باطنيّة، غير واثقين من إيمانهم ومبادئهم الرّوحيّة، فيسقطونه على الخارج ويحوّلونه إلى إيديولوجيا تبسط نفوذها على من حولهم.
كلّما كان الإيمان ضيّقا في الصّدور، تجنّد أهله لنشره بالتّكفير والمطالبة برجم الأجساد وقطع الأيدي والرّقاب والنّفوس. كلّما ازدادت حياتهم الباطنيّة فقرا، لاذوا بالمعوّذات المحسوسة الواضحة وعجّلوا بإيجاد كباش الفداء.
أنصار الشّريعة هم وثنة العصر الحديث. وأوثانهم ليست الصّور والتّماثيل، بل الأحكام والأقوال والنّصوص المجمّدة.
قطع يد سارق وتحويله من إنسان قويم قابل للتّأهيل والتّربية إلى معاق سيبقى مبتورا مبصوما إلى آخر رمق في حياته،
قطع رقبة شاعر بتهمة الرّدّة عن الإسلام، لن يذكر اسمه بعد ذلك إلاّ في تقارير بعض المنظّمات المتخصّصة في حقوق الإنسان، أو في الفصل 19 من الإعلان العالميّ عن حقوق الإنسان، (لن تذكره على أيّة حال اتّحادات الكتّاب العربيّة المعنيّة أوّلا وقبل كلّ شيء بالمشاركة في المهرجانات السّارّة والعكاظيّات القوميّة التي لا تنغّصها القضايا المتنافية مع ثوابت الأمّة)،
منع امرأة من أن ترث كإخوتها، شعورها بأنّها قطّة الرّماد في عائلة من الذّكور المحظوظين الوجهاء، رغم أنّها تحبّ أباها الدّفين، وتريد التّحرّر من قصّة الأصل الجماعيّة والفرديّة التي تجعل من المرأة كائنا دونيّا، منذ خروج حوّاء من ضلع آدم إلى ولادتها هي..
عجز امرأة يضربها زوجها كلّ يوم عن الطّلاق لأنّ التّطليق بيد جلاّدها ومؤدّبها، أو عجزها عن شكواه إلى البوليس لأنّه يرشو أعوان البوليس، أو عجزها عن تقديم دعوى ضدّه لأنّها لا تملك أجر محامي الدّفاع، أو لا تملك مبلغ الخلع ...
هذه ليست تفجيرات 11 سبتمبر، ليست صيحات الجهاد الموجّهة نحو الأعداء المفترضين، بل هي تفجيرات صامتة من نوع آخر. إنّها ليست الإرهاب المعولم الذي يخلق الحدث الاستثنائيّ المغطّى إعلاميّا، بل هي عنف من نوع آخر، عنف إسلاميّ- إسلاميّ صرف. ليست الإيديولوجيا الجهاديّة التّكفيريّة التي من السّهل التّبرّؤ منها رغم كلّ شيء، بل هي شيء أليف، لم نعد نتحدّث عنه، ويجب أن لا ينسينا إيّاه "الإسلام المتطرّف" رغم أهمّيّته على السّاحة العالميّة وأهمّيّة مقاومته : إنّها النّصوص التي يقال لنا إنّها لا تقبل الاجتهاد. إنّها "الشّريعة" التي تقصف الأعمار والحيوات بمنأى عن وسائل الإعلام المتلهّفة لأحداث القتل والدّمار والمتغافلة عن القتل عندما يكون نظاميّا قانونيّا، والتّدمير عندما يكون هادئا بطيئا، والرّقابة عندما تمدّ مخالبها في صمت وتلتفّ كأصابع الأخطبوط بالحناجر والأقلام، والعبوديّة في عصر زالت فيه العبوديّة بمعناها الصّريح. إنّها بالأحرى "الشّريعة" في حال السّلم، عندما لا تكون جهادا ضدّ الأعداء الخارجيّين، بل ترتيبا داخليّا للبيت الإسلاميّ.
هذه الأجساد المرجومة والأيادي المبتورة والرّؤوس المقطوعة والنّفوس المكسورة ليست تقوّلات وافتراءات صليبيّة أو صهيونيّة على الإسلام. هي مشاهد يكفي أن نفتح أعيننا عليها لكي نراها. بعضها متاح في أفلام ووثائق منشورة على الأنترنيت، وبعضها ممّا يتاح لنا رؤيته في الحياة اليوميّة للنّاس البسطاء الذين لا صوت لهم فعلا، وبعضها نعيشه ويذكّرنا إيّاه حرمان التّونسيّات إلى اليوم من حقّهنّ في المساواة في الإرث، رغم ما كلّ تحقّق في هذا البلد من تحديث اجتماعيّ وقانونيّ.. كلّ هذه الأفعال تتمّ باسم الشّريعة الإسلاميّة، باسم الأحكام الفقهيّة والنّصوص "القطعيّة الدّلالة".
وبعد ذلك نرى المسلمين يتباكون لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وكأنّ الصّورة خيال لا يعكس صاحب الصّورة، ويتباكون لصعود موجة الإسلاموفوبيا، وكأنّ الإسلام كما نعيشه اليوم خال هو نفسه من الفوبيا، من فوبيا النّساء والضّعفاء والمختلفين في الدّين والرّأي... وبعد ذلك يتصايح الأوصياء على الإسلام من المعمّمين وغير المعمّمين، يتصايحون قافزين إلى الأمام، مردّدين بأنّ الإسلام دين المحبّة والتّسامح والمساواة والعقل، مطالبين كلّ من يتحدّث عن الإسلام بأن يكون مسلما مثلهم، وأن يشاطرهم آراءهم في الإسلام، وإلاّ فليعتذر، وإلاّ فالويل والثّبور...
ومع ذلك فإنّ المسلم يمكن أن يكون مسلما دون أن يعيش في كنف ما اصطلح عليه في العصر الحديث بالشّريعة، وما قرّر دعاة الإخوان المسلمين اعتباره "صالحا لكلّ زمان ومكان". ومع ذلك، فهناك أناس يصلّون ويؤمنون باللّه ورسله واليوم الآخر دون أن يطالبوا بإقامة الحدود، ودون أن يكونوا مهووسين بالحلال والحرام، ودون أن يعبدوا ما تشيّئه جماعات الإسلام السّياسيّ في شعارات "الإسلام دين ودولة" و"الإسلام هو الحلّ". يصلّون فيجدون السّكينة الرّوحيّة التي يحتاجون إليها، ولا يحتاجون إلى صلاة الآخرين من حولهم، لأنّهم ممتلؤون بإيمانهم. لا يحتاجون إلى إيجاد العكاكيز التي تجعلهم أكثر إيمانا. هؤلاء هم أهل الحقيقة لا الشّريعة. هؤلاء هم حفدة ابن عربيّ ولسان الدّين بن الخطيب، وهم القادرون وحدهم على الحديث عن المحبّة والتّسامح.
جفّت الأقلام بالمطالبة بتحرير المرأة المسلمة، منذ ما يزيد عن القرن، بحّت الأصوات المنادية بفتح آيات الاجتهاد، وترك العقوبات الجسديّة المهينة، وترك حكم الرّدّة، والاعتراف بمواطنة غير المسلمين من الأقلّيّات الدّينيّة. تعبنا من خطابات الإصلاح والتّرميم وحيل الفقهاء. ربّما وجب علينا أن نرفع شعارا جذريّا بنّاء نستردّ به الإسلام من أهل الشّريعة. وهذا الشّعار هو تحرير الإسلام نفسه من الشّريعة، تحريره من ترسانة الفقه القديم وهلوسات الفقهاء الجدد. الدّين ليس منظومة تشريعيّة، وليس نظاما سياسيّا، بل هو إيمان وعبادة ومبادئ روحانيّة. رافعو شعار الإسلام دين ودولة، غير قادرين على عيش الإسلام باعتباره دينا وتجربة باطنيّة، غير واثقين من إيمانهم ومبادئهم الرّوحيّة، فيسقطونه على الخارج ويحوّلونه إلى إيديولوجيا تبسط نفوذها على من حولهم.
كلّما كان الإيمان ضيّقا في الصّدور، تجنّد أهله لنشره بالتّكفير والمطالبة برجم الأجساد وقطع الأيدي والرّقاب والنّفوس. كلّما ازدادت حياتهم الباطنيّة فقرا، لاذوا بالمعوّذات المحسوسة الواضحة وعجّلوا بإيجاد كباش الفداء.
أنصار الشّريعة هم وثنة العصر الحديث. وأوثانهم ليست الصّور والتّماثيل، بل الأحكام والأقوال والنّصوص المجمّدة.